الخميس، أغسطس 13، 2009


أعضاء بشرية للبيع ..!!

عامر زاهر عبد الحليم .. شاباً في منتصف العقد الثاني من عمره ... كان يسير في الشارع ذاهبا إلى مكان ما .. وفجأة تهاجمه آلام عنيفة .. شرسة لا يقوى جسده الضعيف على احتمالها .. ويسقط فاقدا للوعي !!
يتجمع المارة في الشارع حول عامر الذي يرقد ساكنا .. ينقلوه سريعا إلى اقرب مستشفى " مستشفى بولاق الدكرور " لكن القدر لا يمهل عامر طويلا ...
لم تكن سوى ساعات محدودة قبل أن يفارق الحياة بعدها ، وتخمد آخر أنفاسه !! ...
إن هذه القصة ليست من وحى خيالي .. إنما هي حكاية حقيقية وأبطالها حقيقيون ... طالعتنا في صفحات الحوادث منذ فترة .. ربما تكونوا قد قرأتموها أو لا .. لكن من المؤكد إنها تعبر عن مأساة شاب في مقتبل عمره فقد حياته بسبب سماسرة الموت .. ودفع عمره ثمنا لأحلامه البسيطة ..
ما السبب في موت عامر؟!! ... لابد انه السؤال الذي يدور في أذهانكم الآن ..
انه ليس لغزا .. ولكن دعونا نعود إلى البداية لنعرف ماذا حدث بالتحديد ..
الزمان : قبل شهر تقريبا من حدوث تلك الحادثة .. يسافر عامر إلى الغردقة بحثا عن عمل شريف .. ينفق منه على أسرته الصغيرة وخطيبته التي يستعد للزواج منها .. ويظل عامر يبحث لعدة أيام دون جدوى .. وأخيرا يعود بعد أيام قليلة مع صديقيه الذين سافرا معه خاوي اليدين ..
وتمر عدة أيام .. وبينما عامر يسير في منطقة المهندسين باحثا عن عمل أخر .. يلتقي بسمسار هناك .. يستغل يأس عامر وحالته النفسية السيئة .. وبقليل من الكلام المعسول والأحلام التي وعد أن يحققها له .. يستطيع هذا الرجل بسهولة أن يخدع عامر .. ويقنعه أن مشكلاته المالية كلها سوف تحل إذا وافق على أن يبيع إحدى كليتيه ويقبض ثمنا لها 8 آلاف جنية فقط . كانت هي أقصى ما تمناه عامر ليحقق أحلامه المتواضعة !!...
ويعتبرها عامر فرصة لا تعوض .. ويوافق على الفور وهو يعتقد إن الزمن قد تبسم له أخيرا وان تحقيق أحلامه قد أصبح وشيكا .. .
ولا يدرى عامر انه يساوم على حياته .. وانه حين قبل هذه الصفقة المشئومة .. كان يكتب شهادة وفاته بيديه ..!!!...
ويجرى عامر العملية سريعا دون أن يعلم أي شئ عن العواقب الطبية أو المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها بعد العملية .. ويقبض عامر ال8 آلاف جنية ، ويعود إلى منزله وهو يكاد يحلق من السعادة . ويفكر ماذا سيفعل بهذا المبلغ ، وبالطبع لم يخبر أحدا من أسرته بما فعل !!..
أما فصل النهاية والفصل الأخير في هذه المأساة .. حين بدأ عامر يشعر بإرهاق شديد ، وآلام مبرحة في كافة أنحاء جسده بعد أيام من العملية ... ويقرر عامر أن يذهب إلى السمسار الذي عقد معه هذه الصفقة المشئومة في بولاق الدكرور ، وبينما هو في طريقه .. يصاب بهبوط حاد في الدورة الدموية ويسقط في الشارع .. ويموت ، وتنتهي قصة عامر ..!!!
لقد فضلت أن أبدا حديثي عن موضوع نقل وبيع الأعضاء البشرية بحكاية عامر .. وجدت إنها تصل إلى القلوب بما تعبر عنه من مأساة إنسانية حقيقة .. وتعبر في الوقت نفسه عن ظاهرة بيع الأعضاء البشرية التي تفشت مؤخرا ..!!
ولكن قبل أن نلقى اللوم على احد .. وقبل أن نتساءل عن المتسبب في قتل هذا الشاب المسكين ، وغيره من آلاف البسطاء الذين لا ذنب لهم في حياتهم سوى أنهم كانوا يحلمون بتحقيق أحلامهم البسيطة مثلهم ... قبل أن نسأل هذا السؤال .. وقبل أن نرجع السبب إلى خلل في أخلاقياتنا .. أو بعدنا عن الإنسانية أو المبادئ .. لنا أن نعرف أن قضية المتاجرة في الأعضاء البشرية قد أضحت قضية عالمية النطاق .. فحيثما تكون الظروف سانحة يتوفر تجار الموت .. وسماسرة الأعضاء البشرية .. ويستغلون الماسي و الكوارث بأحقر صورة ممكنة ..!!
وليس ببعيد على أذهاننا مأساة زلازل جنوب شرق أسيا الرهيبة ، وأمواج التسونامى المدمرة .. لكن الجزء الخفي من هذه الصورة والأكثر قسوة ومأساوية .. كان مع مافيا الأعضاء البشرية التي لم تتورع عن ممارسة تجارة الموت حتى في هذه المناطق المنكوبة مستغلة الفوضى والعشوائية .. بعد أن تفشت المجاعات والأوبئة عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة .. مخلفا وراءه كارثة إنسانية لازالت تبحث عن حل ...
وطبقا لما جاء في مجلة " بارى ماتش الفرنسية " .. فانه منذ الزلزال المدمر .. ظهرت مافيا المسئولين الذين غزوا الوديان المدمرة .. وتحت مسمى المساعدات الإنسانية كان يتم اختطاف أي طفل من الأيتام الذين فقدوا أسرهم ، وسرقة الأعضاء البشرية منهم وبيعها إلى أي ثرى يبحث عن عضو بشرى يحتاجه .. قد يكون الكلى أو الكبد ...الخ
إن هذه الوقائع الحقيقية مجرد مثال .. يظهر لنا كيف إن هناك فئة من البشر لا يتورعون حتى عن الاتجار في الأرواح ، والتربح من وراء الكوارث !!!..
أما في مصر .. فالصورة لا تختلف كثيرا ..
يستغل تجار الموت الظروف الصعبة للغالبية العظمى من الشباب .. ويلعبون على وتر تحقيق الأحلام وينسجون شباكهم بمهارة ليخدعوهم بمبالغ تافهة ثمنا لأعضائهم البشرية .. وأحيانا ثمنا لأرواحهم ..!!!...
ولكي نكون في موقف المحايدين ، ونتناول هذه القضية الشائكة بموضوعية .. لابد لنا أن نشير إننا هنا لسنا بصدد المطالبة بتحريم نقل الأعضاء البشرية أو وقفها .. فمن الواجب علينا أن نشير إلى أن عملية نقل الأعضاء البشرية هي تقنية حيوية يفاد منها كثيرا في إنقاذ حياة الملايين من البشر .. لكن ماذا عن الوسيلة ؟!! ..
إننا ضد استغلال الظروف وخداع البسطاء .. فالقانون الذي لا يجرم نقل الأعضاء البشرية .. لابد ألا يغفل وضع التشريعات اللازمة لتنظيم تلك العملية وصياغتها في إطار إنساني .. لا تجارى ..
حتى لا نفتح الباب على مصراعيه لرواج هذه التجارة المشبوهة .
ولابد لهذا التشريع أن يضمن – وبصورة كاملة مؤكدة – أن يلقى الطرف المتبرع العناية الطبية والنفسية اللازمة قبل وبعد إجراء العملية ، وان يضمن هذا التشريع إن التبرع قد تم برغبته الحرة وأرادته الكاملة وهو على أتم علم بكافة الأخطار التي قد يتعرض لها نتيجة لفعله .
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن القانون الدولي لم يغفل في ثناياه قضية بمثل هذه الدرجة من الأهمية والخطورة .. بل وضع العديد من الضوابط التي تنظم عملية استئصال ونقل الأعضاء والأنسجة البشرية بحيث يضمن ذلك أن تخضع تلك العمليات للمعايير الأخلاقية والضوابط القانونية المنصوص عليها ..
ويشير بعض النصوص إلى انه من الواجب على الطبيب قبل إجراء العمليات الخاصة بنقل الأعضاء أن يبصر المتبرع بالعواقب الطبية التي قد يتعرض لها نتيجة لتبرعه ، واخذ الإقرارات اللازمة التي تفيد بعلمه قبل إجراء العملية وأرادته الكاملة .
كما يجرم القانون الدولي الاتجار في الأعضاء والأنسجة والجينات والخلايا البشرية .. ويجرم نقل وزرع الخصية والمبيض .
ونحن هنا ندق نواقيس الخطر .. ونطالب بسد الثغرات القانونية التي تسمح لسماسرة الأعضاء البشرية باستغلال الظروف لصالحهم والاتجار في أرواح وأعضاء البشر والإفلات من قبضة القانون ..
نناشد ضمائر الأطباء الذين تخلوا عن إنسانيتهم وآدميتهم ومبادئهم ووافقوا أن يجروا مثل هذه العمليات .
ونناشد الأثرياء الذين دفعهم حب الحياة لمحاولة أن يشتروها بالأموال ، ولو على حساب أرواح أخرى ..
وأخيراً .. نناشد الحكومة أن تكون أكثر رحمة بالبسطاء ، وأكثر تعاونا في حل مشاكلهم حتى لا يستسلموا في لحظات يأس ..
ويظهر لنا سوقا جديدا يحمل اسم " سوق الأعضاء البشرية " ...!!!

هناك تعليق واحد: